حتى تعود المودة والرحمة إلى بيوتنا (2-2)
إن الزوج المسلم لا يسعه حين يقف أمام نصوص الشريعة الرحيمة السمحة بالإحسان إلى زوجته متأملاً إلا أن يكون الزوج الكريم الحليم البشوش الذي تنعم زوجته وأسرته بعشرته الطيبة، وتسعد برفقته المهذبة الراقية، ولعله من المفيد أن نذكر هنا جملة من الوسائل والنصائح المستوحاة من هدي النبوة، والتي نرى أنها تشكل مدًّا لجسور المودة والمحبة بينهما على الدوام: 1- ابتسام يُنضّر اللقاء
وهي أفضل بداية يفتتح بها الزوج المسلم عودته إلى بيته بعد غيابه- طال أو قصر- فتجده مقبلاً على زوجه وأولاده بوجه منفرج الأسارير يطفر بشرًا وسرورًا، فيبادرهم بالتحية المباركة الطيبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأنس رضي الله عنه :
(يا بني إذا دخلت على أهلك فسلِّم، يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك)[رواه الترمذي]. فكم هي بركة عظيمة أن يلقى الرجل أهله بالسلام! ويقبل عليهم إقبال الربيع، فينضر حياتهم بالسعادة والسرور والمرح، ويشيع فيها الأنس والرحمة والرضا.
2- المساعدة..من كرم السجايا
ثم تراه يمد يد العون لزوجته إن رآها بحاجة إلى شيء من المساعدة أو العون، ويواسيها باللطيف من القول إن آنس فيها شكوى من تعب أو سأم أو ضيق، ويشعرها أنها أغلى الناس عنده، وأكرمهم على نفسه، ولهذا فهو يهتم بها، ويألم لألمها، ويبذل وسعه لراحتها.
3- لا يشغل وقته كله عنها بالعبادة
وهو يرضي أنوثتها بالتجمل لها بالزينة التي أباحها الشرع الحنيف، ويعطيها جانبًا من وقته واهتماماته، فلا يشغل عنها الوقت كله في مطالعاته أو أعماله أو هواياته أو مسؤولياته أو أصحابه، فلقد ضمن الإسلام للمرأة حقها في الاستمتاع بزوجها، والائتناس به، حتى إنه لم يبح للزوج أن يشغل وقته كله عنها بالعبادة، التي هي أجل الأعمال وأشرفها، ففي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو حين علم بمغالاته في العبادة:
(...لا تفعل، صم وأفطر، ونم وقم، فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينيك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا)[متفق عليه]. وقد تعددت النصوص في هذا المعنى تأكيدًا لحق الزوجة، وتحقيقًا للتوازن المحكم الذي ينشده هذا الدين لأتباعه بين مطالب الروح والجسد والعقل والعاطفة.
4- ترطيب حرارة الحياة
ولا يفوت المسلم الزوج الكريم أن يرطب جفاف الحياة الرتيبة، وينضر جوانب العيش والمعاشرة الدائمة بينهما بالمداعبة اللطيفة الممتعة، والنكتة المُرفِّهة السارة، يطلقها بين الحين والحين، متأسيًا بنبيه الكريم الذي لم تشغله أعباؤه الجسام، من إرساء قواعد الدين، وتكوين أمة المؤمنين، ومواجهة مكائد الكافرين، وغيرها من الأعمال الجليلة، من أن يكون أحسن الناس معاشرة لزوجاته، وأسمحهم خلقًا وطلاقة وجه، وأفضلهم ملاطفة ومداعبة.
فها هو يتسابق مع عائشة- رضي الله عنها- مرتين كما نعلم، بل ويعرض عليها- إدخالاً لمزيد من السرور على قلبها- أن تشاهد دروبًا من اللهو البريء، تُرفِّه به عن نفسها، وتستمتع بمشاهدته، ومن ذلك ما روته السيدة عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا فسمعنا لغطًا وصوت صبيان، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حبشية تزفن- أي ترقص- والصبيان حولها، فقال: ((يا عائشة، تعالي فانظري)). فجئتُ فوضعتُ لحْييَّ- أي ذقني- على منكب رسول الله ، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: أما شبعت، أما شبعت؟ قالت: فجعلت أقول: لا، لأنظر منزلتي عنده، إذ طلع عمر، قالت: فارفض- أي تفرق- الناس عنها.[رواه الترمذي، وصححه الألباني]. فلينظر الزوج المسلم إلى سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم الحافلة بحسن المعاشرة والممازحة والتبسط مع زوجاته، وليقتدِ به، وعندئذ سنرى أجواء المودة والرحمة تُطِيف داخل بيوتنا، وتنشر فيها أريجها المعطار، ولن يسعك حينئذ إلا أن تكون طيب المعشر، لين الجانب، واسع الصدر، فلا تنفعل أو تثور لتوافه الأسباب التي تنتفخ لها أوداج الأزواج الحمقى الجهلة مثل: تأخر الطعام، أو نقص ملحه، أو قلة جودته؛ لأن الزوج المتأسي بالنبي يذكر دومًا من أخلاق نبيه ما يجعله كريمًا حليمًا متسامحًا، إذ يذكر أن من شمائل النبي الكريم أنه ما عاب طعامًا قط، إن اشتهاه أكل، وإن كرهه تركه.
5- احترام يحفظ الود
كما أنه يترفع ويسمو على أن ينال أحدًا من أهلها بسوء أمامها، ولا يتفوه بكلمة نابية جارحة لأحد من ذويها،؛ مراعاة لشعورها، كما أنه لا يفشي لها سرًّا ائتمنته عليه، ولا يذيع خبرًا أفضت به إليه، ذلك أن التساهل في مثل هذه الأمور قد يشعل فتيل خلافات غير محمودة العواقب، وتخبو به شعلة الحب والود.
6- هدية تذهب وغر بالصدور
وقد يحدث الخصام، وتبدر من الزوج كلمات تؤذي زوجته في فورة غضب، فليسارع متى هدأت نفسه، وطاب خاطره إلى تطييب خواطرها، والاعتذار عما بدر منه، وليتحفها بهدية– إن أمكن وتيسر- فإنها تكون أفضل سفير له في قلبها، وماحية لكل ما سبق من ألم، أو إيذاء، أو خطأ في حقها.
7- يوفق بين إرضائها وإرضاء والديه
وهو يستخدم ذكائه ولباقته في القيام ببر والديه على أكمل وجه، وخاصة أمه، دون أن يقصر في حقوق زوجته، بحيث لا يجور على أحد الطرفين لحساب الآخر، وهو قادر على ذلك ما دام مسترشدًا بهدي الإسلام، وتعاليمه الغراء، ونصح الصالحين وأهل الفطنة.
8- زيادة عناية في أوقات خاصة
ويستحب للزوج الذي يريد أن يرى دائمًا من زوجته ما يسعده ويرضيه أن تزيد عنايته ورعايته لها في أوقات خاصة، فمثلاً عند تغيبها عن البيت، أو تغيبه هو لوقت أطول من المعتاد أن يهاتفها، أو يرسل لها رسالة شوق عبر هاتفها، وكذا في حال مرضها يظهر من الاهتمام أكثر مما هو معتاد، وكذا عند زيارة أقاربها يثني عليها، ويمدح أفعالها ولباقتها وفطنتها وإن لم تكن على المستوى الذي يتمناه.
9- الثناء على مجهوداتها
كما لا يفوته أن يمتدح أفعالها وصنائعها سواء في المأكل، أو المشرب، أو الملبس، أو مشترياتها، ويتغافل عما لا يشتهيه، فهذا أدعى إلى امتلاكه لناصية قلبها وعقلها، وأحفظ لودها، وأدوم للعشرة الطيبة.
10- التدليل وإن كبرت
فهو ينادي الزوجة بأحب الأسماء إليها، أو يناديها باسمها مُرخمًا، مثل: ( يا عائش – يا عويش – يا حميراء – يا غاليتي – يا حلوتي- يا قمري)، فهذا مما لا يكلف الرجل شيئًا، ولكنه يسعد زوجته، ويفتح له أبواب قلبها وعقلها.
11- الدعاء لها
ولا يغفل الزوج الحنون الكريم أن يدعو لزوجته بكل خير، وبما تحب أن تناله من الدنيا- ما لم يكن فيه محذور شرعي- أو الآخرة، وأن يعينها الله على شؤونها، ويزيل همومها، ويشرح صدرها؛ ففي هذا الدعاء حفظ وصيانة للزوجة، وإشعار لها بالمحبة والتقدير، وتهوين من مشاق الحياة ومنغصاتها، وفتح لأبواب الأمل في الأفضل والأسعد لكما من طيبات الدنيا والآخرة.
بقلم :يوسف إسماعيل سليمان
----------------
المصادر: 1
- شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة، د. محمد علي الهاشمي، بيروت، دار البشائر الإسلامية، ط 10، 2002م/ 1423هـ