بيبرس يقتل قطز ويعلن نفسه سلطانا
كتب د. أيمن الجندى
٢٤/ ١٠/ ٢٠٠٩
إذا كنت تبتغى عندى الحكمة فدعنى أصارحك أننى لا أملك شيئا منها على الإطلاق، أنا
طفل يقف على شاطئ الحياة، عاجزا عن فك غموض الكون، أو فهم ذلك الكائن المحير\
الذى يدعى الإنسان.
يقولون إن حياة أجدادنا كانت خيرا وبركة، فهل كانت كذلك يوم نُحر الحسين!، أم حين
استباحوا المدينة واغتصبوا بنات الأنصار!!، أم حين تقاتل المماليك فقتلوا ربع سكان
القاهرة فى ليلة واحدة!!. أم أن أجدادنا كأحفادنا، فيهم الوادعون والسفاحون، المسالمون
والمقتحمون، الأتقياء والأشقياء.
وإذا اختلط السواد بالبياض والخير بالشر، فماذا يكون موقفنا منه؟ خذ عندك بيبرس
على سبيل المثال. لماذا يا بيبرس قتلت قطز؟، الفارس الذى أنقذ العالم من هول التتار!.
قطز الذى بكى حين تخاذل المماليك، واستثار الهمة واستنفر الشعب حين قرر الذهاب
وحده لحرب التتار.
قطز الذى احتفى بك وأعطاك الوزارة وهو يعلم مقتك له وحقدك عليه،أعطاك لأنه يعلم
أنك أسد فى إهاب رجل، فأراد أن يدفع بك التتار وينفع بك الإسلام. لكنك نسيت الفضل،
وتذكرت الحقد، فهان عليك أن تستدرجه، وتتظاهر أنك تقبل يده، ثم تعلوه بالسيف
وتجهز عليه!!.
ألم يلسعك سيفك كجمرة؟، ويلدغك قلبك كحية، وجثة صديقك أمامك، وذكرياتكما
المشتركة خلفك؟. أم أن تكوينك النفسى يختلف منذ كنت رقيقا يستعبد فى عصر
مضطرب لا يقيم وزنا للحياة البشرية: من يستيقظ أولا يقتل السلطان ويجلس على
كرسى الملك!، خلال عشرة أعوام تعاقب على عرش مصر ستة حكام، والباقى يتنازعون
عليه!.
كيف نكرهك وأعمالك العظيمة تشفع لك؟!. المغول حاربتهم وقضيت على فلولهم. الأرمن
(الذين حالفوا المغول) أدبتهم فلم تقم لهم قائمة. الصليبيون ذاقوا الويل على يديك حتى
توسلوا أن تقبل الصلح وتأخذ نصف غلات البلاد. رممت القلاع وحصنت الثغور،
وجعلت للمسلمين كرامة.
من يحل لنا هذا التناقض: بيبرس -الذى غدر بقطز- أكرم العلماء وسكت على مخاشنتهم
فى النصح وبوسعه أن يبطش بهم. أنشأ نهضة معمارية ما زلنا نعاين آثارها : جدّد
الجامع الأزهر، أعاد الدراسة فيه وملأ المكتبات بالكتب، أنشأ الجسور والقناطر ومقياس
النيل، حفر الترع والخلجان، نظّم البريد وخصص له الخيل، كافح الخمر والفساد.
حيرتنا يا بيبرس: أبيض أم أسود؟، بطل أم سفاح؟، نحبك أم نكرهك؟، أم يوجد مقياس
للخير والشر غير الذى نعرفه؟. أسئلة لا أعرف إجابتها، وحيرة أصدّرها إليك، ولعلّك
الآن- عزيزى القارئ- تقول: ليتنى لم أقرأ هذا المقال.