بين دفء الليالي الباردة .. وأضواء القمر .. أسرار خافتة ..
وبين الحقيقة و الخيال ... واقع يتحدث ...
بل يشكو حقيقة تلك الأسرار .. التي غدت في البئر ولاأحد يعلم عنها .. لأنها مقتولة ..
وروعة تلك الأضواء في دفء الليالي الباردة ...
وبعد كلماتي المتخطفة ... سأحكي القصة من البداية ...
في الليل البارد قام ليستقبله كالمعتاد .. لا أحد يعلم عن هذا الأمر سواه وثلاثة فقط
...
أخفى ذلك الأمر طويلا عن أعين من حوله .. الساعة تمضي بثوانيها ودقائقها .. وهو مازال
يجهز نفسه لاستقباله .. بسط السجادة على قساوة الأرض .. فتلك هو صديقه المخلص ..
ولم ينسى سواكه والقرآن ..
استعد .. تأهب .. نصب قدميه .. واستقبل حبيبه بقوله .. الله أكبر ..
آآآآهـ ما أروع المنظر .. ليل بارد والناس نيام وقد تلحفوا حفاظا على أنفسهم من ذلك البرد ..
ولكن شوقه إلى لقاء ربه وحبيبه .. أيقضه ليرمي بذلك اللحاف بعيدا .. لأنه أيقن تماما أن لقائه بربه سيدفئه ..
" تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ "
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا .. وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقلــــت :ياعدتي في كل نائبـــة .. ومن عليه لكشف الضــــر أعتمد
وقـــــد مددت يدي والضـــر مشتمل .. إليــك يا خيـر من مدت إليه يد
فـــلا تردنها يــا رب خائبــــة .. فبحر جــــودك يروي كــــل من يــــرد
إليـــك وإلا لا تشـــد الركائـــب .. ومنــــك وإلا فالمــؤمــــــل خـــائب
وفيـــــك وإلا فالغــــــرام مضيــــع .. وعنــك وإلا فالمحـــدث كـــاذب
فما أروعه من لقاء .. وما أجمل تلك الساعات التي يجتمع فيه الإنسان مع رب الأرباب
..
لاشيء أبلغ في احتمال العسر والصبر على المصائب من قيام الليل .. إنها عبادة المخلصين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع شوقا إلى لقاء الله وخوفا من فوات لقائه ...
وإنها المدرسة التي تربى فيها العظماء الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته
زادتهم إيمانا .. وإن المتهجدين هم الشامة بين الناس أهل الحلم والحق والصبر ..
" إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا "
إن كنت مريض قم الليل .. وإن كنت مهموم قمه .. وإن كنت محتاج أو خائف أو مبتلى قمه ..
الليل صافٍ والناس نيام والهدوء يغلف الكون .. سوف تشعر أن الله يملأ قلبك كله ومع أول
افتتاح للصلاة يهبط عليك نور ...
ماذا تساوي الدنيا وقتها ؟؟؟ لاتساوي شيئا ...
أنت الآن مستغرق في هذا الجو الرباني النوراني ...
في القلب لوعة وشوق .. وحب ورغبة .. والدموع في العيون .. وعلى اللسان أحلى ما أنزل الله
على خلقه .. لاتدع الفرصة تمر .. فلعلها آخر ساعة .. ادعه بما شئت ..
لا مرض مع القيام ولا شقاء معه ولا ذنب ولا إثم ...
إن صلاة الليل سوق ربانية تقام وتنفض كل ليلة .. والرابح فيها من يحشد بضاعته
ويزينها ويحليها في أعين الآخرين .. رجاء أن تقبل جميعها فلا يرجع خاسرا ...
وأهل الليل لاتفوتهم تلك السوق وهم فيها تجار مهرة ...
فهم يستغفرون الله و يمجدونه و يسبحونه و يحمدونه و يسألونه من كل شيء ..
هذه فرصة ..!
فالبيع رابح والمشتري هو الله ...
فها هو السوق أحبتي أمامكم .. وماعليكم إلا أن تعرضوا بضاعتكم .. قوموا في جوف
الليل البارد وناجوه .. قوموا فالرب يسمعكم .. لا عليكم من البرد فستدفئون حتما
لامحالة ...